وبالأمس، ذهبت أخيرًا إلى منزل أختي هيا، بعد ما يقرب من خمسة أشهر من تدميره بالغارات الجوية الإسرائيلية، لجمع الأثاث والمواد الأخرى لاستخدامها كحطب وأي شيء آخر بقي في المنزل.
حاولت في البداية تجنب ألم الذهاب إلى هناك حيث كونت ذكريات غنية في منزلها الذي أصبح الآن تحت الأنقاض. كانت هناك أوقات كنت أجلس فيها أنا وأختي معًا ونتحدث على فنجان من القهوة أو عندما أهرب من الأماكن المزدحمة من حولي وأجد في منزلها مكانًا هادئًا للكتابة والجلوس مع أفكاري.
كان لدى هيا وزوجها همام محل صغير لبيع الزهور والديكور المنزلي في الطابق الرئيسي من المبنى الذي يسكنان فيه. كان منزلهم مليئًا بالتفاصيل الجميلة، التي ذكّرتني بمتحف فني صغير.
كان هناك تناغم بين الأرائك الأرجوانية، والسجاد البيج، والستائر البيضاء. وكان هناك ركن للزهور الطبيعية وآخر لفن التطريز الفلاحي الذي تصنعه هيا. كانت غرفة أطفالهم تحتوي على رف كتب على شكل شجرة على الحائط. وكانت هناك طاولة طعام كبيرة أصبحت المكان المفضل لدي للكتابة.
نشرة ميدل إيست آي الإخبارية الجديدة: جيروزاليم ديسباتش
قم بالتسجيل للحصول على أحدث الأفكار والتحليلات حول
إسرائيل وفلسطين، إلى جانب نشرات تركيا غير المعبأة وغيرها من نشرات موقع ميدل إيست آي الإخبارية
وفي 15 مايو/أيار، تعرض المبنى المكون من خمسة طوابق لموجة مكثفة من الغارات الجوية على شارع الوحدة، وهي منطقة مكتظة بالسكان في وسط مدينة غزة. ووقع القصف بعد عامين تقريبًا من اليوم التالي للمذبحة القاتلة التي ارتكبتها إسرائيل في مايو 2021 والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 44 مدنيًا فلسطينيًا.
كانت هيا وهمام وأطفالهما محظوظين لأنهم فروا إلى الجنوب قبل استهداف بنايتهم. وقد حوصر 25 فردًا من عائلة همام في الداخل لمدة 15 يومًا أثناء التوغل الإسرائيلي في الحي.
ونجا شخص واحد فقط، فيما لا تزال جثث الآخرين مدفونة تحت الأنقاض بسبب عدم توفر قدرات الدفاع المدني الكافية شمال غزة.
ذكريات بعيدة
كنت على وشك الخروج من الحمام عندما تلقينا أخبارًا عن أقارب همام. انضممت إلى عائلتي في غرفة المعيشة، حيث جلسوا في صمت مخيف. وجوههم الشاحبة أخافتني.
كثيرا ما أفكر في كيف تشبه ذكرياتنا في غزة أشجار الزيتون - عميقة الجذور ويصعب اقتلاعها رغم التكلفة المؤلمة للمقاومة
"من قتل؟" سألت ، صوتي يرتجف. تمتمت أمي بألم: "لقد قصف منزل هيا، المليء بالناس،". "صب الله غضبه على إسرائيل". عدت إلى الحمام وبكيت على مصيرنا الذي بدا وكأنه مليئ بخسارة لا نهاية لها.
بعد أسابيع من الاجتياح الإسرائيلي للحي، حاولت تجنب المرور في الشارع. لم أكن أرغب في قبول حقيقة أن المنزل قد دمر، وأن الأشخاص الطيبين الذين عاشوا هناك كانوا محاصرين تحت الأنقاض، وأن كل لحظة قضيتها هناك أصبحت الآن مجرد ذكرى. كثيرا ما أفكر في كيف تشبه ذكرياتنا في غزة أشجار الزيتون - عميقة الجذور ويصعب اقتلاعها رغم التكلفة المؤلمة للمقاومة.
لكن عائلتي، مثل معظم الفلسطينيين في غزة، وخاصة أولئك الذين بقوا في الشمال، تعتمد بشكل كامل على الحطب للطهي وغلي الماء، حيث لم يدخل غاز الطهي إلى غزة منذ أكتوبر من العام الماضي.
يقوم الكثير من الناس بجمع الأخشاب من بقايا منازلهم المدمرة أو قطع الأشجار في الشوارع.
حتى أن البعض يستخدمون ملابسهم وأثاثهم لإشعال النار، بينما يشتري آخرون الحطب إذا استطاعوا. بالنسبة لعائلتي، استخدمنا أثاثنا القديم أولاً ثم اشترينا بعض الحطب. لكن حتى شراء الحطب أصبح الآن أمراً صعباً، مع استمرار الحرب لأكثر من عام.
كان الذهاب إلى منزل هيا هو خياري الوحيد.
شعرت بالإرهاق لأنها كانت المرة الأولى التي أذهب فيها إلى هناك، ليس من أجل الزيارة أو مشاركة فنجان من القهوة أو الكتابة، ولكن لجمع ما تبقى من المنزل المدمر.
ذهبت مع اثنين من أصدقائي حتى إذا حدث شيء لأحدنا، فيمكن للآخرين المساعدة. لقد علمتنا هذه الحرب ألا نفعل أي شيء بمفردنا، فإذا قُتلت، على الأقل سيعرف شخص ما.
تابع التغطية المباشرة لموقع ميدل إيست آي للحرب الإسرائيلية الفلسطينية
دخلنا تحت الأنقاض عبر منزل أحد الجيران المدمر جزئياً. للحظة، لم أستطع التحرك عندما ضربني الفلاش باك مثل موجة، ساحقة ومؤلمة. كل ذكرى لذلك المنزل كانت أمامي وكأنها مشاهد من فيلم بعيد.
سمعت الهمسات والضحكات والدموع والأحاديث التي ملأت هذا المكان ذات يوم. شعرت وكأنني في كابوس حتى أعادني صوت صديقي وسام المتحمس إلى الواقع - لقد وجد قطعًا كبيرة من الخشب.
لقد حفرنا عميقاً في الأنقاض، بحثاً عن المزيد. لقد كان مزيجًا غريبًا من المشاعر: المرارة عندما عثرت على الملابس وألبومات الصور وقطع الأثاث المكسورة، والشعور بالحزن على الأشخاص الذين ما زالوا محاصرين تحت الأنقاض، ربما على بعد أمتار قليلة منا.
تصبح مخدرا
كانت نبضات قلبي تتسارع كلما لمست أي قطعة أثاث، وكان ذهني يدرك أن المكان الذي كان يبدو وكأنه منزل في السابق قد تحول الآن إلى ركام. لكنني لم أستطع إخفاء الشعور الطفيف بالارتياح مع كل قطعة أو قطعة خشب وجدناها، كما لو كنا نستخرج كنزًا مدفونًا.
على الرغم من أن المنزل قد دُمر بالكامل، إلا أنني ظللت أبحث عن أشياء لم أتمكن من العثور عليها أبدًا، مثل الكرسي الذي كنت أجلس عليه، والمرآة الكبيرة ذات الإطار المطرز المعلقة في غرفة المعيشة، والصورة العائلية التي استقبلتني ذات مرة في المنزل. الممر، وغيرها من القطع التي لا يمكن تعويضها.
لقد دمرت إسرائيل منزل عائلتي، ولكن الحب الذي بناه لا يزال قائما
اقرأ المزيد »
تحركنا بسرعة. لقد علمتنا هذه الحرب في غزة أن نكون مستعدين دائمًا للضربة التالية وأن نستعد دائمًا للفرار.
كان قلبي يخفق في صدري بينما كنا نقف على الحطام، والهواء مثقل بغبار الدمار. لقد تخيلت أن الحطام الموجود أعلاه قد ينهار في أي لحظة. شعرت بالعرق البارد يتصبب من ظهري، خوفًا من أن نتعرض للقصف، حيث أن طائرات الاحتلال الإسرائيلية تقصف دائمًا المنازل المدمرة، بدعوى أن المقاومين يختبئون بين الأنقاض.
توقفنا بعد خمس ساعات لأن الليل كان على وشك السقوط. وأخيراً لاحظت أن يدي وملابسي ملطختان بالدماء من قطع الزجاج والحجر. لقد صدمني منظر الدم، ليس بسبب الألم - الذي لم أشعر به حتى - ولكن لأنه جعلني أدرك كم أصبحت مخدرًا أمام الدمار الذي يحيط بي.
في طريق عودتي إلى المنزل على عربة مليئة بالخشب، كان الناس يحدقون بنا، وقد امتلأت أعينهم بالحسد أو اليأس.
وقال أحد الرجال وهو ينظر إلى العربة وهي مليئة بالذهب: "لن تحتاج إلى شراء الحطب لعدة أشهر". اقتربت منا امرأة. قالت يائسة: "لا توجد قطعة خشب واحدة في منزلي". "لقد كنت أبحث لساعات في الشوارع دون أن يحالفني الحظ، من فضلك أعطني الحطب حتى أتمكن من طهي الطعام لأطفالي".
أعطيتها بعضًا منه، لكنني لم أستطع أن أشرح أنه لم يكن مجرد حطب - بل كان ذكريات العمر كله.
الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست آي.
