سوف تنتهي حرب غزة، كما تنتهي كل الحروب في نهاية المطاف. لكن تداعياتها وعواقبها ستكون فريدة من نوعها، سواء من حيث طبيعتها أو عمقها.
وبغض النظر عما إذا كان وقف إطلاق النار وشيكاً أو إلى أي مدى ستستمر الحرب، فإن ملامح نهايته بدأت تتشكل بالفعل، وأصبحت صورة العواقب التي تعقبه واضحة.
لقد تم تدمير الجزء الأكبر من قطاع غزة إلى حد أنه أصبح غير صالح للسكن. وقد قُتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وأصيب عدد أكبر بكثير بالتشوهات.
يجب على سكان غزة أن يتحملوا الحياة في أنقاض منازلهم، ويواجهون التعرض للبرد والجوع. ومن المؤكد أن إطالة أمد الحرب سيؤدي إلى تفاقم معاناتهم، لكنه لن يغير بشكل كبير المسار العام للصراع.
وعلى المستوى السياسي فإن النتائج المباشرة سوف تشتمل على إضعاف إسرائيل لحماس عسكرياً، الأمر الذي قد يرغم الجماعة على تغيير استراتيجياتها. وقد تفقد حماس في نهاية المطاف السيطرة على غزة، وسوف يستغرق الأمر سنوات لإعادة بناء هيكلها التنظيمي.
نشرة ميدل إيست آي الإخبارية الجديدة: جيروزاليم ديسباتش
قم بالتسجيل للحصول على أحدث الأفكار والتحليلات حول
إسرائيل وفلسطين، إلى جانب نشرات تركيا غير المعبأة وغيرها من نشرات موقع ميدل إيست آي الإخبارية
ولكن هذه ليست القصة كلها. وبغض النظر عن الدمار الذي لحق بغزة، فإن إسرائيل لا تستطيع أن تتجاهل القضية الفلسطينية باعتبارها المحرك الرئيسي للمشهد السياسي في الشرق الأوسط.
لقد أكدت هذه الحرب بما لا يمكن إنكاره أن القضية الفلسطينية لا يمكن التغاضي عنها عبر الإجراءات الأمنية، ولا عبر التطبيع العربي مع إسرائيل. ياسر عرفات، الرئيس الفلسطيني الأسبق، وأشار الشهير وأنه لا يمكن أن يكون هناك أمن أو سلام دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم الوطنية؛ وتبقى هذه هي المعادلة اليوم.
أساليب المقاومة الجديدة
وإلى جانب معركتها ضد حماس، كافحت إسرائيل لأكثر من عام من أجل تهجير الشعب الفلسطيني من غزة - لكنها فشلت في تحقيق هذا الهدف. من خلال استهداف المستشفيات والمدارس والجامعات والمنازل وإمدادات المياه والطاقم الطبي والصحفيين، حاربت إسرائيل وسائل الحياة ذاتها في غزة. ولكن حتى يومنا هذا، لا يزال الشعب الفلسطيني موجودًا هناك.
وهذا فشل أيديولوجي واستراتيجي وأخلاقي من جانب إسرائيل. لقد فشل المشروع الصهيوني الديني والقومي اليميني في تحويل غزة إلى «أرض بلا شعب».
تابع التغطية المباشرة لموقع ميدل إيست آي للحرب الإسرائيلية الفلسطينية
ويتردد صدى هذا الفشل في الضفة الغربية المحتلة وخارجها. ورغم أن إسرائيل ربما اعتبرت غزة بمثابة أرض اختبار لسياساتها، إلا أن هناك شكوك جدية في إمكانية ظهور مثل هذه الفرصة في الضفة الغربية. وحتى لو فعلت ذلك، فمن شبه المؤكد أنها ستفشل.
إن فشل الخطة الإسرائيلية لإخراج الفلسطينيين من غزة، على الرغم من التكاليف الباهظة التي تكبدتها، يعني أن إسرائيل لن تكون قادرة بعد الآن على تجنب مواجهة الواقع الفلسطيني سياسياً.
ومن يراهن في الوقت المناسب على استعادة صورة إسرائيل كضحية أو واحة ديمقراطية فإنه سيخسر بلا شك
وسوف يتوصل الفلسطينيون أيضاً إلى استنتاجاتهم الخاصة بعد الحرب. لقد شهدوا عقم المفاوضات، التي أتاحت الوقت لمزيد من التوسع الاستيطاني الإسرائيلي وسرقة الأراضي. لقد رأوا أيضًا كيف أن أعمال المقاومة المتهورة أرست الأساس لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة.
وقد دفع هذا العديد من الفلسطينيين إلى التفكير في وسائل بديلة للمقاومة. ويظهر التاريخ أنه عندما تبدو كل الطرق مغلقة، فإن الفلسطينيين ما زالوا يجدون طريقا للمضي قدما. فبعد طردهم من لبنان عام 1982، على سبيل المثال، كانوا رائدين في الانتفاضة باعتبارها شكلاً غير مسبوق من النضال.
واليوم، مع إغلاق الأبواب، سيجد الفلسطينيون طريقا جديدا ومبتكرا، والذي يمكن أن يتخذ شكل "الصمود الإيجابي" - الذي يركز على المثابرة والبقاء في وطنهم.
وهذا النهج واسع النطاق، ويشمل أدوات مقاومة متعددة، وله القدرة على تعبئة كل طاقات الشعب الفلسطيني. إنها صامدة في مواجهة المواجهات المدمرة، وتتجاوز عبث المفاوضات التي لا نهاية لها.
وفي حين أن هذا النموذج لم يتشكل بعد بشكل كامل، إلا أن هناك أصوات فلسطينية تدعو إلى استكشاف إمكاناته.
المصالح الخاصة
أما في المنطقة، فإن تلك القوى ذات المصالح الخاصة لم تعد قادرة على تحمل تأثيرات هذا الصراع غير العقلاني الذي يهددها بشكل مباشر.
لقد فقدت إيران محور نفوذها. لقد فقدت الولايات المتحدة هيمنتها على البحر الأحمر. وشهدت روسيا زعزعة استقرار قواعدها في سوريا. وتتعرض دول الخليج لضغوط محسوبة وغير متوقعة. لقد أطلقت تداعيات هذه الحرب العنان لمخاطر وتغيرات هائلة.
ولهذا السبب، أصبح الحل السياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني ضرورة دولية، على الرغم من اختلاف وتضارب المصالح. وفي حين أن هذه العملية سوف تستغرق وقتاً طويلاً، مما يسمح للقيادات السياسية على كلا الجانبين بالنضج، فإن المسار لن يكون قابلاً للتراجع، حتى لو كان التقدم بطيئاً.
في أعقاب حرب غزة مباشرة، قد تهيمن "النجاحات" الإسرائيلية في سوريا أو لبنان على المشهد. ولكن في الشرق الأوسط، حيث التغيير الثابت الوحيد، يمكن أن يتحول المد بسرعة، تماما كما حدث في أعقاب حرب عام 1982.
وفي حين أن الوضع الحالي أكثر تعقيدا بلا شك، إلا أن هناك العديد من الأشياء المجهولة، بما في ذلك التداعيات الاجتماعية والنفسية طويلة المدى على الشعب الفلسطيني. وقد أدى سقوط نظام الأسد في سوريا إلى خلق المزيد من الشكوك، ويظل من غير الواضح كيف سيتردد صدى الصراع في غزة في مصر والأردن في السنوات المقبلة.
هذه الأسئلة ليس لها إجابات واضحة وانعكاسات عميقة على مستقبل المنطقة. ولكن هناك شيء واحد مؤكد: أن الحقبة التي ستلي 7 أكتوبر 2023 لن تكون هي نفسها التي سبقتها.
تغيير الرأي
وبمجرد أن ينقشع غبار الحرب، فإن التحولات الأوسع في الرأي العام في مختلف أنحاء أوروبا والولايات المتحدة سوف تبدأ في الظهور على المستوى السياسي. ومن يراهن في الوقت المناسب على استعادة صورة إسرائيل كضحية أو واحة ديمقراطية فإنه سيخسر بلا شك. إن حجم الإبادة الجماعية هائل للغاية. وبما يمثل تحولاً بين الأجيال، فإن دعم إسرائيل سوف يصبح وصمة عار أخلاقية على جبين السياسيين.
كيف أصبحت المقاومة الشعبية الفلسطينية حركة عالمية؟
اقرأ المزيد »
وهذا التغيير ليس بعيداً، وستكون له عواقب على السياسات الإسرائيلية. ورغم أن إسرائيل لا تعطي الأولوية للرأي العام العالمي وتركز فقط على الدعم الأميركي، فإن الولايات المتحدة يتعين عليها أن تهتم بالرأي العالمي، لأنها تقدر نفوذها في مختلف أنحاء العالم. ولهذا السبب، عليها أن تأخذ في الحسبان مواقفها العالمية، ليس من منطلق اعتبارات أخلاقية، بل من منطلق مصالحها الاستراتيجية.
وفي غضون ذلك، عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني، فإن نتائج هذه الحرب - كل الألم والمعاناة والموت والوحشية - ستكون لا تقدر بثمن. ومع تخلي العالم عنهم أمام سياسات الإبادة الجماعية والتعذيب والتجويع التي تنتهجها إسرائيل، فإن العقلية الفلسطينية سوف تتغير.
ماذا سينتج عن ذلك، وكيف سيؤثر على الهياكل السياسية الفلسطينية؟ هذه أسئلة سيجد حتى الخبراء في علم النفس وعلم الاجتماع السياسي صعوبة في الإجابة عليها.
فهل سيدفع الدمار الفلسطينيين إلى الاستسلام لعبودية الاحتلال، أم أنه سيغذي سعياً لا هوادة فيه للانتقام؟ فهل سيمحو الزمن مرارة الإبادة والمجاعة؟ من السابق لأوانه التخمين.
عندما تنتهي الحرب، ربما تكون إسرائيل قد حققت مظهر النصر، لكنها لن تنتصر من الناحية الاستراتيجية.
الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست آي.
